تعد بداية القرن العشرين علامة جديدة وثورية في تاريخ الشعر العربي ، فقد تزايد تأثير الأدبي العربي ومن خلال هذا التأثير المتزايد دخلت الفنون الشعرية الخارجية وبالتحديد الغربية في الشعر العربي ، وجعل الشعراء العرب يمارسون هذه الأشكال الشعرية ، وبدأت ارهاصاتها الأولى تظهر في القرن التاسع عشر ، ومن هذه الأنواع الشعرية الشعر المرسل (Blank Verse) الذي حاول تطبيقه لأول مرة رزق الله الحسّون عام 1869م ، وأحياه جميل صدقي الزهاوي عام 1905م ، وفي العام نفسه زاول أمين الريحاني تجربته في الشعر المنثور بتشجيع من جورجي زيدان مقلداً بذلك الشعر الحر (Free Verse) الذي كان ينظمه في الأفرنج.
نشأته وتطوره: وفي الحقيقة أن هذه الأنواع الشعرية دخلت في الشعر العربي إثر الحركة التجديدية ، حيث قام كثير من الشعراء المتجددون إثر النهضة الحديثة العربية ، ويذهب قصب الأسبقية في المحاولة نحو التجديد إلى محمود سامي البارودي الذي بادر إلى بذور البذر الأولى للتجديد في الشعر التقليدي ، وقامت على فكرته حركات أدبية وعلى رأسسها حركة أبولو ومدرسة الديوان فقوي بها حركة التجديد ، إلى أن تمخض الشعر العربي الحديث بأشكال شعرية مختلفة متعددة عن هذه الحركة . ويجب أن نشير إلى نقطة مهمة للغاية ، وهي لماذا مست الحاجة إلى التجديد والحداثة الشعرية في العربي الحديث ....؟
فذهب النقاد إلى مذهبين في هذا الخصوص :
١- منهم من قالوا إن العشر التقليدي لايصلح لمعالجة القضايا البشرية خاصة فيما يتعلق بالحياة العلمية والعلوم الاجتماعية والتجريبية ، والتقيد الصارم بالقوافي والأوزان يجعل الشعر عاجزاً تمامااً عن التعبير الدقيق عما يجيسه في خواطر الشعراء والأدباء ، ومن ثم ثار الشعراء والأدباء ضد قيود الأوزان والقوافي. وحركة التجديد ليست بشئ سوى ثورة قيود القديم في الشعر والنثر في شكله ومضمونه . يعني الشعر التقليدي عاجز وقاصر عن المسايرة مع مواكب الزمان ، فالتجديد ضروري.
٢- بينما يرى بعض النقاد أن التطلع إلى التجديد لدى الشعر هو الذي سبب في التجديد وأدّى الشاعر إلى التجديد والابتكار والتفنن في الأوزان والقوافي .
٣- وفيما نعتقد أن التجديد تمخض عن دافع مزيج من السببين كليهما.
الباحث الغربي س. مورية ذهب في كتابه " الشعر العربي الحديث: تطور أشكال وموضوعاته بتأثير الأدب الغربي " إلى أن الشعر الحر نشأ في الغرب ، ولم يتعرف عليه الأدب العربي إلا إثر محاولات أبوشادي من حركة أبولو ، والذي آثر الشعر الحر على الشعر المرسل؛ لأنه وجد في الشعر الحر وسيلة أفضل لصياغة الملاحم والدراما والشعر القصصي . وقد أعلن أبوشادي في بيانه الأول من الشعر الحر الذي نشره في مجلة " أدبي" عام 1936م ، وتقلده كل من الشعراء من أمثال فريد أبوحديد، وخليل شيبوب ، ومصطفى عبداللطيف السحرتي.
إلاّ أن العمود الرئيسي للشعر الحر نازك الملائكة تُرجع تاريخ نشأة الشعر الحر وبدايته إلى 1947م ، حيث تقول :
" كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947م في العراق ، ومن العراق، بل من بغداد نفسها ، وزحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله، وكادت بسسب الذين استجابوا لها، تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعاً ، وكانت أولى قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي " الكوليرا" ثم قصيدة " هل كان حباً " لبدر شاكر السياب من ديوانه " أزهار ذابلة" وكلا القصيدتين نشرتا في عام 1947م .
إلاّ أنها في مقدمة " قضايا الشعر المعاصر" تعترف بأن بدايات الشعر الحر كانت قبل عام 1947م . كما تقول " في عام 1962م صدر كتابي هذا وفيه حكمت بأن الشعر الحر قد طلع من العراق ، منه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم قررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947م ، سنة نظمي لقصيدة " الكوليرا" ثم فوجئت بعد ذلك بان هناك قصائد حرة معدودة عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين ، لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد من مصادرها ، وإذا بإسماء غير قليلة ترد في هذا المجال منها اسم علي أحمد باكثير ، ومحمد أبي حديد ، ومحمود حسن إسماعيل ، وعرار شاعر الأردن ولويس عوض وساهم".
تعريف الشعرالحر : هو شعر ذو شطر واحد ليس مه طول ثابت وإنما يصح أنه يتغير عدد التفعيلات من شطر إلي شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه.
تقول نازك الملائكة : بأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم علي وحدة التفعيلة ، والمعني البسيط الواضح اهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر مشترط بدء ا أنه تكون التعفيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه، بينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطرا تجري علي هذا النسق:
وزنه: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
الفرق بين الشعر الحر والشعر المنثور : الشعر المنثور لايلتزم بقافية ولا وزن ، وفي الشعر الحر يستخدم الوزن تاما أو مجزوءا ، أما القافية فقد تبفي أو تهمل. هقول خليل مشيبوب (1891 – 1951 ) الذي قلدا الشعر الحر الفرنسي (vorse liber) : الشعر الحر غير الشعر المنثور، لاأن نثر الشعر إنما هو افتكاكه من قيود الوزن والقافية أما الشعر المطلق فمذهبه في الاحتفاظ بالوزن فقط ، أما القافية فقد اختلفوا في إبقائها أو إغفالها.
دوافعه : وقد رأي كثير من الباحثين والنقاد أن من أهم العوامل التي ساعدت علي نشأة الشعر الحر تعود إلي دوافع اجتماعية وأخري نفسه وغيرها :
الاجتماعية : المجتمع يتغير مع تغير الزمان والشاعر البدع كغيره من أفراد المجتمع يتأثر بهذه التغيرات ، وقد رأي الشاعر أن التغير الهائل لايمكن التعبير عيه مع التقيد بنظام القوفي والأوزان والقوافي تلبية لحوائج الفضايا الاجتماعية .
التفسية: إن الشاعر كان يعاني استعمار سافرا وكتبا روحيا والقيود ، وتطلع إلي التحرر من كل قيد إلي أن تحرر من قيود القوافي والأوزان .
النزعة إلي تأكيد استقلال افرد التي فضت علي الشعراء الشبان البعد عن النماذج التقليدية في الشعر العربي ، وإبراز ذاتيتهم بصورة قوية مؤكدة .
مميزات الشعر الحر :
١- الوحدة العضوية : الوحدة العضوية في الشعرية تتميز بكونها مبنية علي التناسق العضوي بين موسيقي اللفظ أو الصورة وحركة الحدث أو الانفعال الذي يتوقف عليه.
٢- الأسلوب : القصيدة في الشعر الحر تشكل كلاما متماسكا ، وتزاوج الشكل والمضمون ، فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة وصغت كلها في خدمة الموضوع ، وصار الشاعر يعتمد علي " التفيلة" وعلي موسيقي الداخلية المناسبة بين الألفاظ.
٣- التحرر القيود الشكلية : وقد جمعت في الشعر الحر سمات فنية ، والتحرر من القيود الشكلية من أهم سماتها ، التي تحد/ تعتبر من قدرات الشاعر وانطلاقه في التعبير عن خوالج نفسه بحرية وعفوية تامتين .
نقائصه :
١- إن الشعر الحر فشل تماما في اقتحام معاقل تقوم أصلا علي الشعر وتلعب دورا كبيرا في دفعه بعيدا .
٢- والشعر الحر يفتقد النغم الموسيقي الذي يجعل منها فنا جماهيريا ، ينشد ويؤثر علي عامة الناس.
٣- إنه الجانب الأعظم من الشعر الحر بقي في منتصف الطريق بين الشاعر والجمهور ، يعلوه غبار النسيان في اللحظة التي ولد فيها.
وبالجملة : أن الشعر الحر نوع جديد مبتكر لايتقيد بنظام الأوزان والقوافي تقيدا تاما ، فلا يجري إلا علي الوزن التام أو المجزو، وأما فيما يتعلق بالقوافي فقد تبقي وقد تهمل.